مؤتمر قصد السنوي حول تونس
المشهد الانتقالي في تونس: جدل الهوية والفساد
15 ديسمبر / كانون الأول بباريس، فرنسا
إطار عام
بعد حوالي ثماني سنوات هي عمر ” الثورة التونسية ” أو مجموع الاحتجاجات الشعبية التي قادت إلى هروب رأس الجهاز التنفيذي في الدولة وسقوط واجهة النظام، لا يزال الصراع على أشده هناك بين مختلف الفواعل السياسية والاجتماعية والحزبية والفكرية. مدار الصراع شديدُ التباين بين مطالب اجتماعية قاعدية حارقة لا تنتظر وبين فوضى سياسية وسيادية عارمة يسيطر عليها الانفلات القانوني والتسيّب الإداري ويغلب عليها تصادم الأحزاب وتضارب الكتل وتنازع أعضاء الكتل في فرز سياسي لا يكاد ينتهى وبخلفيات غير معلنة في حالات كثيرة.
خلّف هذا الوضع حالة عميقة من التذمر الاجتماعي، فقدت بها النخب السياسية التونسية حاكمةً ومعارِضة الرصيد الأكبر من احترام الشارع لها. كما خلّفت عزوفا ونفورا شديدين من كل ما هو سياسي أو حزبي لينسحب الحكم بالسلبية والعدمية على كل الطيف السياسي التونسي أو الدائر في فلكه وعلى كامل العملية السياسية والانتقالية برمتها.
كيف نجحت القضايا الهامشية في تصدر المشهد السياسي والاجتماعي على حساب القضايا المصيرية وما هي أهداف الشحن الإعلامي والسياسي من الدفع في هذا الاتجاه؟ أم أن هذه القضايا تعتبر أساسية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ المسار الانتقالي؟ لماذا تعود مسائل الهوية إلى سطح المشهد كلما احتدت أزمات البلاد الاقتصادية أو كلما وجدت السلطة السياسية نفسها في مأزق؟ ما هو دور النخب التونسية في هذه المعركة الدائرة؟ ما جدية الحرب على الفساد في تونس وما علاقتها بالحرب على الإرهاب؟
ما هي خطوط التماس بين التحركات الاجتماعية المشروعة وبين تلك الموظفة توظيفا سياسيا أو الموجهة خارجيا لغير مصلحة المجتمع والدولة والشعب؟ ما مستقبل صراع الهوية على واقع الحريات؟ وما هو نصيب الحريات الأساسية الفردية والجماعية الشعبية من مطالب المساواة التي ترفعها النخب؟
ما هي الحلول الممكنة القادرة على تأمين مرحلة التحول الديمقراطي من المخاطر الحقيقية التي تتهدده؟ كيف يمكن أن نتجاوز الفزاعات الإيديولوجية وخطاب الإقصاء والثأر الحزبي إلى مرحلة أكثر نضجا وعقلانية؟ هل من سبيل إلى التحرك في المسارات الممكنة بين ركام الألغام وتفادي الخنادق الدولية والإقليمي.
لكن، من جهة مقابلة، تمعن الأطراف الحاكمة والمعارضة والنخب المتصلة بها أو الدائرة في فلكها في فرض أطروحات أخرى غير الأطروحات الاقتصادية والاجتماعية الملحة. جدل الهوية والانتماء المحتدم في تونس اليوم يمثل إحدى المعارك التي تكاد تُفرض فرضا على الساحة سياسيا وحزبيا وإعلاميا وفكريا حيث ينشط الجميع للمساهمة برأيه وتصوره في مسألة لا تعتبر أساسية أو جوهرية حسب شروط السياق وما يفرضه. قضية “المساواة في الميراث” مثلا ليست مهددة للمسار الثوري أو للأمن الوطني وللاستقرار الاجتماعي كما هي مسألة البطالة وضرورة الإصلاح الاقتصادي والمراقبة المالية ومحاربة الفساد وتأميم الثروات ومراجعة عقود التفريط في الثروات الوطنية.
يبحث المؤتمر في الإجابة عن أسئلة أهمها :
ما هي خصائص المسار الانتقالي التونسي اليوم وهل لا يزال يمثل التجربة الوحيدة الناحية من بين ثورات ربيع الشعوب أم أن التجربة التونسية تسير ببطء نحو مصير المسارات العربية المماثلة؟ هل يمكن حقا أن تنسف النخب التونسية “المعجزة ” التي صنعها شعبها الفقير في 17 ديسمبر 2010 مثلما فعلت نخب عربية أخرى في مواطن الربيع الأخرى؟ كيف تستطيع الفواعل السياسية والحزبية تأجيل صراعاتها الايديولوجية وخلافاتها الذاتية إلى ما بعد مرحلة الإنقاذ الاجتماعي؟
لا تبدو القوى المؤثرة والمتحكمة في مسارات الدولة – داخليا – بما فيها الطبقة السياسية الحاكمة أو المعارضة قد تجاوزت أطر الصراع الضيق القديمة. وهي لا تُخفي رغبتها الجامحة في الحصول على نصيب من الجهاز التنفيذي وامتيازاته، خاصة مع اقتراب المواعيد الانتخابية الحاسمة. لا يختلف اثنان، في تونس اليوم، على أن الصراع السياسي والتناحر الحزبي والتقاتل الايديولوجي بين نخب ما بعد “بن علي” سواء في الحكم أو في المعارضة إنما يمثل أحد أهم العوامل التي تهدد سلامة المسار الانتقالي برمته. لكن مقاربات أخرى ترى أن هذا الأمر لا يعدو أن يكون مظهرا صحّيا مصاحبا لكل ديمقراطية وليدة ما لم يخرج عن الأطر الضابطة له وما لم ينزلق إلى العنف أو يسقط في الانسداد أو الفوضى.
من جهة أولى، تبدو التحديات الاقتصادية أهم ما يطرح على الدولة وعلى الجهاز التنفيذي والسياسي فيها نظرا لطبيعة المؤشرات الاقتصادية السلبية التي تهدد المسار الاجتماعي بشكل مباشر وتنذر بتصاعد الاحتجاجات الشعبية أو انفجار موجات مطلبية جديدة. مؤشرات أخرى كثيرة تؤكد حالة الاحتباس الاجتماعي وتردي وضعية الشرائح الاجتماعية الفقيرة وكذلك المتوسطة فارتفاع أسعار السلع الضرورية وتراجع العملة وارتفاع معدل الدين الخارجي ونسبة البطالة والهجرة غير الشرعية وانتشار مؤشرات الانحراف والجريمة والسطو على المال العام وكذلك حالة التسيب الإداري والقانوني وانهيار البنى التحتية… تمثل الوجوه الأبرز لهذه الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الخانقة.
المشاركون في المؤتمر
عمر السيفاوي
ناشط سياسي وجمعياتي. أستاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة المنار تونس. يشغل خطة المستشار المقرر العام لدى مصالح نزاعات الدولة ونائب رئيس المنتدى القضائي للقانون والعدالة والأمن، إضافة إلى عضوية الهيئة التنفيذية للمرصد التونسي لاستقلال القضاء.
فتحي الشامخي
أستـاذ وباحث جامـعي. عضو مجلس نواب الشعب وعضو لجنته المالية. خبير دولي في اقتصاد التّنمية ومُحاضر، له عديد المقالات والدّراسات والمحاضرات في ندوات علميّة ومُنتديات وملتقيات. مؤسس ورئيس جمعية رَادْ سنة 1999 وعضو مؤسس للمرصد الدولي للمديونية، مقره بروكسل، بلجيكا.
يوسف الصديق
فيلسوف وباحث في الدراسات الإسلامية والإنسانية. تحصل على دكتوراه حول “العمل القرآني” سنة 1995 من مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية للقرآن بباريس. ودرّس لاحقا الفكر الإسلامي المعاصر في جامعة باريس 3 سنتي 1995 و1996.
إلياس الفخفاخ
وزير المالية السابق بحكومة علي العريض بين سنتي 2012 و 2014 ووزير السياحة بحكومة حمادي الجبالي بين 2011 و 2013. سياسي وعضو حزب التكتل من أجل العمل والحريات. مهندس مختص في الإدارة البشرية والمؤسساتية. خلال مسيرته المهنية والسياسية، عمل على إشكاليات التأهيل وإعادة الهيكلة المالية والتوظيف التسويقي.
روضة القرافي
قاضية بمركز الدراسات القانونية والقضائية والرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين بعد أن شغلت رئاستها من سنة 2013 إلى فيفري/ شباط2018. حقوقية وعضو الائتلاف المدني المدافع عن مسار العدالة الانتقالية. ساهمت بدور فاعل، كرئيسة لجمعية القضاة التونسيين، في إصدار دستور 27 يناير/ كانون الثاني 2014 وتأسيس عدد من الهيئات القانونية.
سليم بن حميدان
محام ووزير أملاك الدولة والشؤون العقارية من 2011 إلى 2013. ينتمي إلى عائلة يوسفية وناشط سياسي ونقابي ساهم في تأسيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية. متخرج من جامعة باريس ديكارت وحاصل على دكتوراه في القانون العام. انتخب ممثلا عن دائرة مدنين في المجلس الوطني التأسيسي.
لطفي حجي
صحفي وناشط حقوقي تونسي. عضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان سابقا . من مؤسسي هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات التي كانت أول منبر حواري تونسي بين المختلفين فكريا. مؤلف كتابي “بورقيبة والإسلام الزعامة والإمامة” و“إسلام السلطة وإسلام الجماعة محنة أمة”.
سمير ديلو
سياسي ومحام وعضو البرلمان التونسي. شغل خطتي وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية والناطق الرسمي باسم حكومتي العريض والجبالي. انتخب عضوا في المجلس التأسيسي في أكتوبر/ تشرين الأول 2011 عن دائرة بنزرت وانتخب بعد ثلاث سنوات في مجلس نواب الشعب.
محمد ضيف الله
أستاذ التاريخ بالجامعة التونسية وباحث في التاريخ المعاصر. قدم أطروحة دكتوراه سنة 1994 حول“الحركة التلمذية التونسية (1927-1939) وتقلد منصب الكاتب العام العلمي لمؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات بين سنتي 1994 و2003. عضو في اللجنة العلمية لعدد من الدوريات الصادرة عن مؤسسة التميمي ودورية “روافد” الصادرة عن المعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية.
عز الدين عناية
كاتب ومترجم وجامعي تونسي. يدرّس بجامعة روما ونابولي ومختص في دراسات الأديان. دكتور في علوم الأديان ومؤلف عدد من الكتب آخرها “الدين في الغرب” الصادر عن “الدار العربية للعلوم” سنة 2017. أشرف على رسائل تخرج عدد من الطلاب الإيطاليين المتخصصين في شؤون العالم العربي وأصدر عشرات الأبحاث العلمية والترجمات.
محمد هنيد
أستاذ محاضر بالمعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية السوربون باريس. يدرس لغة العلاقات الدولية ولغة الصحافة. المنسق العام لمركز الدراسات العربية والتطوير قصد 2013. له عدة مداخلات ومقالات بقنوات وصحف عربية وفرنسية. شارك في عدة ملتقيات عربية وعالمية.